سبب الوحشة بين الإخوان في الله
سبب الوحشة بين الإخوان في الله
للشيخ محمد صالح المنجد
السؤال: ما سبب الوحشة التي تحدث بين الإخوان في الله؟
الجواب: هذا السؤال -أيها الإخوة- له نصيب كبير من الواقع،
ولابد أن يتساءل الإنسان الذي يحدث بينه وبين بعض إخوانه نفور،
لماذا يحدث هذا النفور؟
وما هي الأسباب؟ فنقول: إن من الأسباب التي تُوجِد النفرة بين قلوب الإخوة متعددة فمنها:
أولاً: المعاصي، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(ما تواد اثنان في الله فيفَرَّق بينهما إلا بذنب أحدثه أحدهما أو كلاهما)
فالمعاصي سبب للتفريق بين الإخوان، وسبب لتفرق الكلمة وضعف الصف،
لذلك كان يحرص قادة الجيوش الإسلامية أن يبعدوا الجنود عن المعاصي؛
لأنه سهل على الأعداء اختراق الصف الذي تملأه المعصية،
ولذلك ورد عن بعضهم أنه قال: لأنا أخوف على الجنود من المعاصي أكثر من الأعداء.
والصف الإسلامي في حالة مقاومة ومجابهة للباطل، ولذلك فهو يحتاج إلى وحدة واعتصام بالكتاب والسنة،
حتى لا يحصل التفرق والتنابذ والتفسخ بين أفراد الصف الإسلامي.
ثانياً: ومن أسباب النفور بين الإخوة كذلك: عدم القيام بحقوقهم:
فحقوق الإخوة كثيرة، وإذا قصر بعضهم في حقوق إخوانهم الآخرين حصلت بسبب ذلك الفرقة،
فمن ذلك مثلاً تقصير بعضهم في السؤال عن أحوال البعض الآخر، وفي تفقد شئون البعض الآخر،
ومساندة ودعم بعضهم الآخر في حال الضائقة والملمات،
فعندما ينظر الواحد ويرى أن أخاه قد أعرض عنه ولم يسأل عن حاله،
وأنه وقع في ضائقة ولم يجد من ينقذه؛ فإن هذا يسبب نفرة بلا شك.
ثالثاً: كذلك من الأسباب التي يحصل بسببها الشقاق بين الإخوة: إساءة الإخوة الأدب مع بعضهم،
فمثلاً: يكثر بعضهم من مقاطعة البعض الآخر في الكلام، أو قد يأتي في وصفه له بكلمات غير مناسبة وغير صحيحة،
وليست من أدب الإسلام، فيحصل بذلك فرقة وشقاق، وقد يكون تدخل بعضهم في شئون الآخر تدخلاً مذموماً،
مما يحصل بسببه شقاق وفرقة وخلاف. ويسأل بعض الإخوان سؤالاً فيقول:
كيف نعرف التدخل الصحيح من التدخل غير الصحيح؟
فأقول لك يا أخي: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قعد لنا قاعدة مهمة في هذا،
وهي قوله عليه الصلاة والسلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
فمثلاً: قد يتدخل إنسان في خصوصيات إنسان آخر، وليس عند الإنسان الآخر منكر يوجب التدخل،
ففي هذه الحالة يكون هذا التدخل غير صحيح، وكذلك الإلحاح عليه في الأسئلة المزعجة والمتكررة
للحصول على معلومات ليس من ورائها طائل، ولا مصلحة شرعية
بقدر ما تسبب له من الإيذاء والإحساس بالحرج وأنت تلح عليه في السؤال.
ومن ذلك مثلاً التجسس، وهو تدخل في أمور الآخرين، وهو محرم ولاشك.
ومن التدخل ما يكون صحيحاً، مثل أن يكون التدخل لتغيير منكر، أو دعوة إلى الله،
أو لتعديل وضعه بحيث يصبح أفضل أو أحسن، لو أنك رأيت عيباً في طريقة إلقائه
فأرشدته بإرشادات تجعل طريقة إلقائه أفضل وأحسن، فهذا التدخل طيب
لكن المهم هو الأسلوب في التدخل. والتدخل يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛
مثال الاختلاف بالأشخاص مثلاً:
الأب يحق له التدخل في أمور ابنه ما لا يحق لواحد غريب، المدرس يحق له التدخل في شئون تلميذه في الفصل
ما لا يحق لواحد خارج الفصل، فيختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
وأحياناً يختلف بحسب درجة الاستفصال في السؤال،
فلو أنك مثلاً لقيت إنساناً فقلت له: هل تزوجت؟
قال: نعم. قلت: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير،
فهذا شيء طيب،
لكن ولو أنك زدت فقلت له: وهل دخلت بأهلك أم لا؟ ومتى كان ذلك؟
هنا يكون التدخل أمراً مشيناً ومعيباً، ولا يحق لك أن تفعل مثل هذا الأمر.
بعض الناس أحياناً يدسون أنوفهم ويتدخلون في أشياء لا تخصهم،
مثلاً: لماذا أثاث البيت لونه أخضر؟ أنا لا يعجبني، لابد أن تجعل لونه أزرق؛ لأنه يعجبني اللون الأزرق
نقول: يا أخي! ليس لك حق أن تتدخل بهذه الطريقة، وهنا تعتبر إنساناً قد وضع الأمر في غير محله.
فإذاً.. قد يكون التدخل محرماً مثل: التجسس،
وقد يكون واجباً مثل التدخل لتغيير منكر عند أخيك أو في بيتك،
وقد يكون مستحباً مثل تحسين وضع أخيك -كما ذكرنا-
وقد يكون مكروهاً مثل الإلحاح على شخص في أمر تحرج من ذكره،
وقد يكون مباحاً مثل أن تسأل الإنسان مثلاً: هل سافرت أم لا؟
هذا ملخص عن قضية التدخل، بعد أن تكلمنا عن بعض الأسباب التي توجب تفرق الإخوان عن بعضهم.