رجل من أهل الجنة
ليس أهنأ للمرء في الحقيقة ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب بريئاً من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد، ومستريحاً من نزعات الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم.
عن أنس بن مالك قال: ( كنا جلوساً مع الرسول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة }
،فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه
فلما قام النبي تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم،
قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عزوجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر،
قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن أوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟
فقال: ما هو إلا ما رأيت
غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) [رواه الإمام أحمد].
قال الشافعي:
لما عفوت ولم أحقد على أحـد *** أرحت نفسي من هم العداوات.
إني أحيّي عدوي عند رؤيتـه *** لأدفع الشر عني بالتحيــات.
وأظهر البشر للإنسان أبغضـه *** كما أن قد حشا قلبي محبـات.
الناس داء ،وداء الناس قربهم***وفي اعتزالهم قطـع للمودات.