وقفات بعد رحيل رمضان
محمد الجابري
أيه الاخوة إليكم هذه الوقفات بعد رحيل رمضان
الوقفة الأولى :
هاهي أيام رمضان تتسارع وقد انقضت ، ولياليه قد تولت .
انقضى رمضان و ذهب ليعود في عام قادم ، انقضى رمضان شهر الصيام و القيام ، شهر المغفرة و الرحمة .
انقضى رمضان و كأنه ما كان .
آيه رمضان ماذا أودع فيك صالحات ، و ماذا كتبت فيك من رحمات .
كم من صحائف بيضت ، وكم من رقاب عتقت ، وكم حسنات كتبت .
انقضى رمضان و في قلوب الصالحين لوعة ، وفي نفوس الأبرار حرقة .
و كيف لا يكون ذلك ؛ و هاهي أبواب الجنان تغلق ، و أبواب النار تفتح ، و مردة الجن تطلق بعد رمضان .
انقضى رمضان : فا ليت شعري من المقبول فنهنيه و من المطرود فنعزيه .
انقضى رمضان فماذا بعد رمضان ؟
لقد كان سلف هذه الأمة يعيشون بين الخوف و الرجاء .
كانوا يجتهدون في العمل فإذا ما انقضى وقع الهم على أحدهم : أقبل الله منه ذلك أم رده عليه .
هذه حال سلف هذه الأمة فمل هو حالنا ؟
و الله إن حالنا لعجيب غريب .
فو الله لا صلاتنا كصلاتهم، و لا صومنا كصومهم ، ولا صدقتنا كصدقتهم ، و لا ذكرنا كذكرهم ؟
لقد كانوا يجتهدون في العمل غاية الاجتهاد، و يتقنونه و يحسنونه ، ثم إذا انقضى خاف أحدهم أن يرد الله عليه عمله .
و أحدنا يعمل العمل القليل و لا يتقنه ولا يحسنه ، ثم ينصرف وحاله كأنه قد ضمن القبول و الجنة .
فيا أخي عليك أن تعيش بين الخوف و الرجاء ، إذا تذكرت تقصيرك في صيامك وقيامهم ؛ خفت أن يرد الله عليك ذلك ،
و إذا نظرت إلى سعة رحمة الله ، وأن الله يقبل القليل ويعطي عليه الكثير ، رجوت أن يتقبلك الله في المقبولين .
الوقفة الثانية :
أن لكل شيء علامة ، وقد ذكر العلماء أن من علامة قبول الحسنة أن يتبعها العبد بحسنة أخري .
فما هو حالك بعد رمضان ؟ هل تخرجت من مدرسة التقوى في رمضان فأصبحت من المتقين .
هل تخرجت من رمضان و عندك عزم الاستمرار على التوبة و الاستقامة ؟
هل أنت أحسن حالا بعد رمضان منك قبل رمضان ؟
أن كنت كذلك فاحمد الله ، و إن كنت غير ذلك فابك على نفسك يا مسكين فربما أن أعمالك لم تقبل منك ،
وربما أنك من المحرومين و أنت لا تشعر.
الوقفة الثالثة :
أقسام الناس بعد رمضان :
لقد انقسم الناس بعد رمضان إلى أقسام
1- الصنف الأول : قوم كانوا على خير وطاعة ، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم ، وضاعفوا من جهدهم
و جعلوا رمضان غنيمة ربانية ، و منحة إلاهية ، استكثروا من الخيرات ، و تعرضوا للرحمات ، وتداركوا ما فات ،
فلعله أن تكون قد أصابتهم نفحة من النفحات .
فما انقضى رمضان إلا و قد حصلوا زادا عظيما، علت رتبتهم عند الله ، و زادت درجتهم في الجنات، و ابتعدوا عن النيران .
علموا أن لا مستراح لهم إلا تحت شجرة طوبى، فاتعبوا هذه النفوس في الطاعات .
علموا أن الصالحات ليست حكرا على رمضان ، فلا تراهم إلا صوما قوما ،
حافظوا على صيام الست في شوال ، حافظوا على صيام الاثنين و الخميس و الأيام البيض.
دمعتهم على خدودهم في جوف الليل، و عند الأسحار استغفار أشد من استغفار أهل الأوزار .
.يعيشون بين الخوف و الرجاء، حالهم كما قال الله ( و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أنهم إلى ربهم راجعون ).
في السنن من حديث عائشة ( قالت : قرأ رسول الله هذه الآية ، فقلت يا رسول الله : أهم الذي يسرقون و يزنون و يشرب الخمر
و يخافون من الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم أقوام يصلون و يصومون و يتصدقون
و يخافون أن يرد الله عليهم ذلك ) فهؤلاء هم المقبولون ،هؤلاء هم السابقون ، هؤلاء هم الذين عتقت رقابهم ،
و بيضت صحائفهم .
فطوبى ثم طوبى لهم.
2- الصنف الثاني : قوم كانوا قبل رمضان في غفلة و سهو و لعب ، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة و العبادة ،
صاموا و قاموا ، قرأوا القران و تصدقوا ودمعت عيونهم و خشعت قلوبهم ، و لكن ما أن ولى رمضان حتى عادوا
إلى ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم .
فهؤلاء نقول لهم :
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
أن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان .
يا عبد الله
يا من عدت إلى ذنبوك و معاصيك و غفلتك :
تمهل قليلا ، تفكر قليلا:
كيف تعود إلى السيئات ، و ربما قد طهرك الله منها .
كيف تعود إلى المعاصي و ربما محاها الله من صحيفتك
يا عبد الله
أيعتقك الله من النار فتعود إليها ؟ أيبيض الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسودها مرة أخرى ؟
يا عبد الله :
آه لو تدري أي مصيبة وقعت فيها .
آه لو تدري أي بلاء نزل بك ، لقد استبدلت بالقرب بعدا، و بالحب بغضا .
يا عبد الله
إياك أن تكون كالتي نقضت غزالها من بعد قوة انكاثا .
لا تهدم ما بنيت ، لا تسود ما بيضت ، لا ترجع إلى الغفلة و المعصية فو الله أنك لا تضر إلا نفسك
يا عبد الله إنك لا تدري متى تموت ، لا تدري متى تغادر الدنيا .
فاحذر أن تأتيك منية و أنت قد عدت إلى الذنوب و المعاصي . و تذكر ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
فغير من حالك ، اترك ذنوبك ، أقبل على ربك حتى يقبل الله عليك .
3- الصنف الثالث : قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير منهم شيء ، ولم يتبدل من أمر ،
بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، و اسودت صحائفهم ، و زادت رقابهم إلى النار غلا . هؤلاء هم الخاسرون حقا .
عاشوا عيشة البهائم ، لم يعرفوا لماذا خلقوا عوضا أن يعرفوا قدر رمضان و حرمة رمضان ، ولقد سمعت و الله أحدهم يتبجح
و يجاهر بالفطر في نهار رمضان . فهؤلاء ليس أمام حيلة معهم إلا أن ندعوهم إلى التوبة النصوح ، التوبة الصادقة ،
و من تاب ، تاب الله عليه.
وإليك يا أخي كلمات من كلمات سلف هذه الأمة ، فو الله أن كلامهم لقليل و لكنه يحي القلوب .
قال أبو الدرداء : ( لو أن أحدكم أراد سفرا ، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ؟ قالوا: بلى .
قال: سفر يوم القيامة أبعد ، فخذوا ما يصلحكم ؛
حجوا لعظائم الأمور .
صوموا يوما شديد حره لحر يوم النشور .
صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور .
تصدقوا بالسر ، ليوم قد عسر )
و قال الحسن البصري : ( إن الله جعل رمضان مضمار لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته
فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا .
فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون )
اللهم اجعل ما نقول حجة لنا لا علينا .